فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (22):

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)}
{عَالِمُ} {الشهادة}
(22)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ أَنَّهُ هُوَ اللهُ الذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ، فَلا رَبَّ غيرُهُ في الوُجُودِ، وَلا مَعْبُودَ سِوَاهُ، وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الكَائِنَاتِ المُشَاهِدَاتِ لَنَا، وَالغَائِبَاتِ عَنَّا، فَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، وَأَنَّهُ ذُو الرَّحْمَةِ الوَاسِعَةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ فَهُوَ رَحْمنُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَرَحِيمُهُمَا.
الغَيْبُ- مَا غَابَ عَنِ الحِسِّ.
الشَّهَادَة- مَا حَضَرَ مِنَ الأَشْيَاءِ المُشَاهَدَةِ.

.تفسير الآية رقم (23):

{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)}
{السلام} {سُبْحَانَ}
(23)- هُوَ اللهُ المَالِكُ لِجَمِيعِ مَا فِي الوُجُودِ، المُتَصَرِّفُ فِيهِ تَصَرُّفاً مُطْلَقاً، وَالمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَنَقْصٍ، الذِي أَمَّنَ خَلْقَهُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَهُمْ، وَهُوَ الرَّقِيبُ عَلَيْهِم الذِي قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ، وَغََلَبَهُ لِعَظَمَتِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَلا تَلِيقُ الكِبْرِيَاءُ إِلا لَهُ، تَنَزَّهَ اسْمُهُ عَمَّا يَقُولُهُ المُشْرِكُونَ مِنَ الصَّاحِبَةِ وَالوَلَدِ وَالشَّرِيكِ فَهُوَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الفَرْدُ الصَّمَدُ.
المَلِكُ- المَالِكُ لِكُلِّ شَيءٍ.
القُدُّوسُ- المُنَزَّهُ عَنٍ النُّقْصَانِ.
المُؤْمِنُ- الوَاهِبُ الأَمْنَ- أَوِ المُصَدِّقُ لِرُسُلِهِ بِالمُعْجِزَاتِ.
المُتَكَبِّرُ- البَلِيغُ الكِبْرَيَاءِ وَالعَظَمَةِ.
المُهَيْمِنُ- الرَّقِيبُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ.
العَزٍيزُ- القَوِيُّ الغَالِبُ.
الجَبَّارُ- القَهَّارُ أَوِ العَظِيمُ.

.تفسير الآية رقم (24):

{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}
{الخالق} {السماوات}
(24)- وَهُوَ تَعَالَى خَالِقُ جَمِيعِ مَا فِي الوُجُودِ، وَمُصَوِّرُهَا، وَمُبرْزُهَا فِي الصُّورَةِ التِي هِيَ عَلَيْهَا، وَيُنَزِّهُ اسْمَ اللهِ جَمِيعُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ، وَهُوَ العَزِيزُ الذِي لا يُقْهَرُ وَقَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ وَغَلَبَهُ، وَهُوَ الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَقَضَائِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
الأَسْمَاءُ الحُسْنَى- الدَّالَّةُ عَلَى مَحَاسِنِ المَعَانِي.
المُصَوّْرُ- خَالِقُ الصُّوَرِ.

.سورة الممتحنة:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)}
{ياأيها} {آمَنُواْ} {جِهَاداً}
(1)- هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَكَانَ حَاطِبٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، هَاجَرَ مِنْ مكَّةَ، وَتَرَكَ فِيهَا مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ قُرَيِشٍ. فَلَمَا أَرَادَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فَتَحَ مَكَّةَ دَعَا رَبَّهُ اللهَ أَنْ يُعْمِيَ الأَخْبَارَ عَنْ قُرَيشٍ، حَتَّى يَأْخْذَهُمْ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ، فَكَتَبَ حَاطِبٌ كِتَاباً إِلَى قُرَيشٍ يُعَرِّفُهُمْ بِعَزْمِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى غَزْوِهِمْ، وَأَرْسَلَهُ مَعَ امْرَأَةٍ لِيَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَداً. وَأَعْلَمَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِالكِتَابِ، فَأَرْسَلَ الرَّسُولُ عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ، وَأَمَرَهُمَا بِالذَّهَابِ إِلَى رَوْضَةِ خَاخٍ لِيَأَتِيَاهُ بِالكِتَابِ مِنَ المَرْأَةِ، فَلَمَّا جَاءَاهَا طَلَبا مِنْهَا الكِتَابَ فأَنْكَرَتْهُ، فَهَدَّدَاهَا بِتَجْرِيدِهَا مِنْ ثِيَابِهَا لِتَفْتِيشِهَا، فَأَخْرَجَتِ الكِتَابَ مِنْ ضَفَائِرِ شَعْرِهَا.
وَسَأَلَ الرَّسُولُ حَاطِباً عَنِ الكِتَابِ فَاعْتَرَفَ وَقَالَ لِلرَّسُولُ إِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كُفْراً، وَلا ارْتِدَاداً عَنِ الإِسْلامِ، وإِنَّمَا لِيَتَّخِذَ بِهِ يَداً عِنْدَ قُرَيشٍ يَحْمِي بِهَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ. فَقَالَ الرَّسُولُ للصَّحَابَةِ إِنَّهُ صَدَقَكُمْ. وَقَالَ عُمْرُ بِنُ الخَطَّابِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنْقَ هَذَا المُنَافِقِ. فَقَالَ الرَّسُولُ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.
وَيَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِأَنْ لا يَتَّخِذَوا الكُفَّارَ أَعْواناً وَأَنْصَاراً لَهُمْ يُبَلِّغُونَهُمْ أَخْبَارَ الرَّسُولِ التِي لا ينْبَغِي لأَعْدَائِهِ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَيهَا، وَقَدْ كَفَرَ هَؤُلاءِ الكُفَّارُ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ، فَكَيْفَ بِكُمْ بَعْدَ هَذَا تَتَّخِذُونَهُمْ أَنْصَاراً تُسِرُّونَ إِليهِمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَيُضُرُّ الرَّسُولَ والمُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَخْرَجُوا الرَّسُولَ وَأَصْحَابَهُ مِنْ بَينِ أَظْهَرِهِمْ كُرْهاً بِالتَّوْحِيدِ، وَإِخْلاصِ العِبَادَةِ للهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ يُؤَاخَذُونَ عَلَيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
فَإِنْ كُنْتُمْ، يَا أَيَّهُا المُؤْمِنُونَ، قَدْ خَرَجْتُمْ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِي، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي، فَلا تُوَلُوا أَعْدَائِي، وَمَنْ يَفْعَلْ هَذِهِ المُوَالاةَ، وَيُفْشِ سِرَّ الرَّسُول لأَعْدَائِهِ، فَقَدْ حَادَ عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ المُوصِلَةِ إِلَى الجَنَّةِ.
أَوْلِيَاءَ- أَعْواناً تَوَادُّونَهُمْ وَتُنَاصِحُونَهُمْ.
أَنْ تُؤْمِنُوا- لإِيْمَانِكُمْ أَوْ كَرَاهَةً لإِيْمَانِكُمْ.

.تفسير الآية رقم (2):

{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)}
(2)- إِنْ ظَفِرَ بِكُمْ هَؤُلاءِ الكَافِرُونَ، الذِينَ تُلْقَونَ إِليهِم بِالمَوَدَّةِ، يُظْهِرُوا لَكُمْ عَدَاوَتَهُمْ، وَيَمُدُّوا إِليكُمْ أَيدِيَهُمْ وأَلْسِنَتَهُمْ بِمَا يَسُوؤُكُمْ: يُقَاتِلُونَكُمْ وَيَشْتَمُونَكُمْ وَيَتَمَنَّونَ لَو تَكْفرُونَ بِرَبِّكُمْ فَتَكُونُوا عَلَى مِثْلِ دِينِهِمْ، فَكَيْفَ تُسِرُّونَ إِلَى هَؤُلاءِ بِالمَوَدَّةِ وَهَذِهِ هِيَ حَالُهُمْ؟..
يَثْقَفُوكُمْ- يَظْفَرُوا بِكُمْ- أَوْ يُصَادِفُوكُمْ.
يَبْسُطُوا إِلَيكُمْ- يَمُدَّوا إِلَيكُمْ أَيْدِيهُمْ بِالضَّرْبِ وَأَلْسِنَتهُمْ بِالشَّتْمِ وَالإِيْذَاءِ.

.تفسير الآية رقم (3):

{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}
{أَوْلادُكُمْ} {القيامة}
(3)- وََيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ الذِي اعْتَذَرَ بِرَغْبَتِهِ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى أَوْلادِهِ وَأَمْوَالِهِ فِي مَكَّةَ، بِأَنَّ الأَقَارِبَ وَالأَوْلادَ، الذِينَ تُوَالُونَ الكُفَّارَ مِنْ أَجْلِهِمْ، لَنْ يَنْفَعُوكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَنْ يَدْفَعُوا عَنْكُمْ شَيئاً مِنْ عَذَابِ اللهِ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُ فِي الدُّنْيَا، لأَنَّهُ سَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَصِيبِ. وَيَذْهَلُ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَّنْ سِوَاهُ، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَأْنٌ يُغَنِيهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُهُ العِبَادُ.

.تفسير الآية رقم (4):

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)}
{ا إِبْرَاهِيمَ} {بُرَءآؤاْ} {العداوة}
(4)- أَفَلا تَأَسَّى هَؤُلاءِ الذِينَ يُوَادُّونَ الكَافِرِينَ بِأَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَصْحَابِهِ المُؤْمِنينَ، حِينَ قَالُوا لِقَوْمِهِم الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنَ الآلِهَةِ وَالأَنْدَادِ، وَجََحَدْنَا ما أَنْتُمْ عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ، وَأَنْكَرْنَا عِبَادَتَكُمْ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ حِجَارَةٍ وَأَوْثَانٍ وَأَصْنَامٍ، وَقَدْ أَعْلَنَّا الحَرْبَ عَلَيْكُمْ، فَلا هَوَادَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَسَنَبْقَى عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَتُوَحِّدُوهُ، وَتَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَلا صَاحِبَةَ وَلا وَلَدَ، وَتَتَخَلَّصُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ.
وَلَكُمْ فِي أَبْيكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تَتَأَسَّوْنَ بِهَا، وَتَعْتَبِرُونَ بِهَا فِي مَسْلَكِكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ، وَلا تَسْتَثْنُوا مِنْ تَصَرُّفَاتِ إِبْرَاهِيمَ التِي تَقْتَدُونَ بِهَا إِلا اسْتْغْفَارَهُ لأَبِيهِ الذِي بَقِيَ مُقِيماً عَلَى الكُفْرِ، فَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ: إِنَّهُ سَيَسْتَغْفِرُ لَهُ اللهَ، وَإِنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَالأَمْرُ مَرْدُودٌ إِلَى مَشِيئَةِ اللهِ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَ. وَلَكِنَّ هَذَا القَوْلَ صَدَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمِ حِينَمَا وَعَدَهُ أَبُوهُ بِأَنَّهُ سَيُؤْمِنُ بِاللهِ، وَيَتْبَعُهُ فِيمَا يَعْبُدُ. فَلَمَّا تَبَيَّنَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّ عَدُوٌ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ.
وَحِينَمَا فَارَقَ إِبْرَاهِيمُ وَالمُؤْمِنُونُ مَعَهُ قَوْمَهُمْ لَجَؤُوا إِلَى اللهِ مُتَضَرِّعِينَ قَائِلِينَ: رَبَّنَا إِنَّنَا اعْتَمَدْنَا عَلَيْكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا (تَوَكَّلْنَا)، وَرَجَعْنَا إِلَيكَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِنَا، وَإِلَيكَ مَصِيرُنَا حِينَ تَبْعَثُنَا مِنْ قُبُورِنَا لِلْعََرْضِ وَالحِسَابِ. فَاقْتَدُوا بِهِمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، وَقُولُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ.
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ- قُدْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي التَّبَرُّؤ مِنَ الضَّالِينَ.
براءُ مِنْكُمْ- أَبْرِيَاءُ مِنْكُمْ.
إِليكَ أَنَبْنا- إِليكَ رَجَعْنَا تَائِبِينَ.

.تفسير الآية رقم (5):

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)}
(5)- رَبَّنَا وَلا تُسَلِّطْ قَوْمَنَا الكَافِرِينَ عَلَينَا، وَلا تَجْعَلْهُمْ يَظْهَرُونَ عَلَينَا، فَيَعْمَلُوا عَلَى فِتْنَتِنَا عَنْ دِينِنَا بِالعَذَابِ وَالنَّكَالِ. وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا ظَهَرُوا عَلَيْنَا لأَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ فِيمَا يَقُولُونَ، وَفِيمَا يَعْبُدُونَ، رَبَّنَا واسْتُرْ ذُنُوبَنَا عَنْ غَيرِكَ، وَاعْفُ عَنَّا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَينَكَ، إِنَّكَ يَا رَبِّ أَنْتَ القَوِيُّ العَزِيزُ الذِي لا يُضَامُ، الحَكِيمُ فِيمَا تَشْرَعُ، وَفِيمَا تَقْضِي.
لا تجْعَلْنَا فِتْنَةً- مَفْتُونِينَ بِهِمْ، مُعَذَّبِينَ بِأْيِدِيهِمْ.

.تفسير الآية رقم (6):

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)}
{يَرْجُو}
(6)- لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، قُدْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَأُسْوَةٌ تَتَأَسَّوْنَ بِهَا، لِمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَطْمَعُ فِي الأَجْرِ والثَّوَابِ مِنَ اللهِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ العَذَابِ وَالنِّكَالِ. وَمَنْ يُعْرِضْ عَمَّا دَعَاهُ اللهُ إِليهِ مِنَ الإِيْمَانِ بِهِ وَبِمَلائِكَتِهِ وَكُتُبْهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخَرِ، وَيَسْتَكْبِرْ وَيُوَالِ أَعْدَاءَ اللهِ فَإِنَّهُ لا يَضُرُّ بِذَلِكَ إِلا نَفْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ إِيمَانِهِ وَعَنْ طَاعَتِهِ، مَحْمُودٌ بأنْعُمِهِ وَأَفْضَالِهِ عَلَى خَلْقِهِ.

.تفسير الآية رقم (7):

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)}
(7)- ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ تَطْيِباً لِقُلُوبِهِمْ، إِنَّهُ قَدْ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الكَافِرِينَ مِنْ أَهْلِهِمْ وَمِنْ أَقْرْبَائِهِمْ مَحَّبَةَ الإِسْلامِ، فَيَتِمُّ التَّوادُّ، وَيَتِمُّ التَّصَافِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَؤُلاءِ الذِينَ كَانُوا يُعَادُونَهُمْ، وَيُقَاطِعُونَهُمْ فِي الدِينِ، وَاللهُ قَدِيرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ، غَفُورٌ لِخَطِيئَةِ الَّذِينَ أَلْقَوا إِلَيهِمْ بِالمَوَدَّةِ إِذَا تَابُوا مِنْهَا، رَحِيمٌ بِهِمْ، فَلا يُعَذِّبُهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَنْبِهِمْ.

.تفسير الآية رقم (8):

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)}
{يَنْهَاكُمُ} {يُقَاتِلُوكُمْ} {دِيَارِكُمْ}
(8)- إِنَّ اللهَ تَعَالَى لا يَنْهَاكُمْ عَنِ الإِحْسَانِ إِلَى الكُفَّارِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، وَلَمْ يُعَاوِنُوا فِي إِخْرَاجِكُمْ مِنْهَا، وَلا يَمْنَعُكُمْ مِنْ إِكْرَامِهِمْ، وَمَنْحِهِمْ صِلَتَكُمْ، لأَنَّ اللهَ يُحِبُّ أَهْلَ البِرِّ والتَّوَاصُل.
وَرَوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: أَنّ قُتَيْلَةَ أُمَّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ قَدِمَتْ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ عَلَى ابْنَتِهَا أسْمَاءَ بِهَدَايَا فَرَفَضَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ الهَدَايَا مِنْهَا، وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَجَاءَتْ إِلَى أَخْتِهَا عَائِشَةَ أَمِّ المُؤْمِنينَ تَسْأَلُهَا فِي ذَلِكَ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، فَأَمَرَهَا الرَّسُولُ بإِدْخَالِهَا بَيْتَهَا، وَبِأَنْ تَقْبَلَ مِنْهَا هَدِيتَها.
تَبَرُّوهُمْ- تُحْسِنُوا إِليهِمْ وَتُكْرِمُوهُمْ.
وَتُقْسِطُوا إِليهِمْ- تَقْضُوا إِليهِمْ بِالقِسْطِ وَالعَدْلِ.